فصل: (فرع: كراهة إمامة من يكرهه المأتمون)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: صلاة الفرض خلف مصلي الجنازة والخسوف]

وهل يجوز أن يصلي المفترض خلف من يصلي على الجنازة، أو خلف من يصلي صلاة الخسوف؟ قال أصحابنا البغداديون: لا يصح؛ لأنه لا يمكنه الاقتداء به، مع اختلاف الأفعال.
وقال الخراسانيون: فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لما ذكرناه.
والثاني وهو قول القفال: أنه يصح؛ لأنه مقتد بمصل.
فإذا قلنا بهذا: فإنه يقوم قائمًا حتى يسلم الإمام في صلاة الجنازة، ثم يركع هو.
وفي صلاة الخسوف يركع مع الإمام الركوع الأول، فإذا رفع الإمام رأسه من الركوع رفع معه، وثبت المأموم قائمًا، حتى يركع الإمام الثاني، ثم يتابعه في السجود.
قال المسعودي: [في "الإبانة" ق \ 80] وهل تصح صلاة الصبح والمغرب خلف من يصلي الظهر أو العصر أو العشاء؟ فيه قولان؛ لأنه يحتاج أن يخرج من صلاة الإمام قبل تمامها.
وأصحابنا البغداديون قالوا: تصح قولًا واحدًا.

.[فرع: كراهة إمامة من يكرهه المأتمون]

ويكره أن يؤم الرجل قومًا، وهم له كارهون؛ لما روى أبو داود في "سننه": أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: رجل يقدم قومًا، وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارًا -أي: بعد ما فرغوا من الصلاة- ورجل اعتبد محرره».
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقبل الله صلاة رجل أمّ قومًا، وهم له كارهون، ولا صلاة امرأة زوجها عاتب عليها، ولا صلاة عبد آبق، حتى يرجع».
قال الشيخ أبو حامد: قال الشافعي: (وهذا الخبر لا يثبت، ولكني أكره إمامته بهم، لكراهتهم له).
وروى الترمذي في "سننه ": أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لعن الله ثلاثة: رجلًا أمّ قومًا وهو له كارهون، وامرأة بات زوجها عليها ساخطًا، ورجلًا سمع: حي على الفلاح، فلم يجبه».
وهكذا: إذا كرهه أكثرهم كره له أن يؤمهم؛ لأن الاعتبار بالكثرة، وإن كرهه أقلهم لم يكره؛ لأن أحدًا لا يخلو ممن يكرهه، هذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال القفال: إن نصب الإمام رجلًا للصلاة بالناس لم يكره أن يصلي بهم، وإن كرهوه.
وإن أمّ رجل نساء من ذوي محارمه جاز، ولم يكره له الخلو بهن؛ لأنه يجوز له الخلو بهن، وإن كن من غير ذوات محارمه، فإن كن امرأة أو امرأتين كره له الخلو بهن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان».
فإن كن نساء كثيرًا، فهل يجوز للرجل الأجنبي الخلو بهن؟ فيه وجهان، حكاهما القاضي في (الخناثى) بناء على المرأة إذا أرادت الحج، ووجدت نساء ثقات، هل يقمن مقام المحرم؟ فيه وجهان:
فإن أمّ الخنثى أجنبية منه كره له الخلو بها؛ لجواز أن يكون رجلًا، فإن كن نساء كثيرًا ففيه وجهان.
وكذا: لو أمّ رجل خنثى أجنبيًّا منه، كره له الخلو به؛ لجواز أن يكون امرأة، فإن كان الخناثى كثيرًا فهل يجوز له الخلو بهم؟ فيه وجهان، كما قلنا في النساء.
وهكذا: ينبغي أن يكره للخنثى أن يخلو بالخنثى؛ لجواز أن يكون أحدهما رجلًا، والآخر امرأة، فإن كانوا كثيرًا ففيه وجهان.

.[فرع: إمامة التمتام ونحوه]

ويكره الائتمام بـ (التمتام): وهو الذي يكرر التاء، فيقول: (إياك نستتعين)، وبـ (الفأفاء): وهو الذي يكرر الفاء، فيقول: (ففلله)، وبـ (الوأواء): وهو الذي يكرر الواو؛ لما يزيدون من الحروف، فإن صلى خلف أحدهم صح؛ لأنه يأتي بزيادة هو مغلوب عليها.

.[مسألة:الأولى بالإمامة]

الأسباب التي يتعلق بها التقديم في الصلاة خمسة: الفقه، والقراءة، والهجرة، والنسب، والسن.
ولا يختلف المذهب: أن صاحب الفقه والقراءة مقدمان على غيرهما من أصحاب الأسباب الثلاثة.
والدليل عليه: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا بالسنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا بالهجرة سواء فأقدمهم سنًّا». فإن تساويا في القراءة، وأحدهما أفقه، فالأفقه أولى؛ لأنه أكمل.
فإن كان أحدهما يحسن الفقه، ولا يحسن الفاتحة، والآخر يحسن الفاتحة، ولا يحسن الفقه فالذي يحسن الفاتحة أولى؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بالفاتحة.
فإن كان أحدهما يحسن القرآن كله، ومن الفقه ما يحتاج إليه في الصلاة، والآخر يحسن من القرآن ما يجزئ في الصلاة، ولكنه يحسن فقهًا كثيرًا، فقد قال الشافعي: (إن قدم الفقيه فحسن، وإن قدم القارئ فحسن، ويشبه أن يكون الفقيه أولى).
قال أصحابنا: تقديم الفقيه أولى؛ لأن ما يحتاج إليه من القرآن في الصلاة محصور، وما يحتاج إليه من الفقه في الصلاة غير محصور، وربما تحدث عليه حادثة في الصلاة تحتاج إلى الاجتهاد فيها، وإلى هذا ذهب مالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة.
وقال الثوري، وأحمد، وأبو إسحاق: (القارئ أولى)، واختاره ابن المنذر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى».
ودليلنا: ما ذكرناه: من أن الواجب من القراءة في الصلاة محصور، وما يحتاج إليه من الفقه فيها غير محصور.
وأما الخبر: فإنما كان ذلك في الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لأنهم كانوا يسلمون كبارًا، فيتعلمون القراءة، ويتعلمون أحكامها.
وروي عن ابن مسعود: أنه قال: (ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف حكمها، وأمرها ونهيها)، ولهذا لا يوجد منهم قارئ إلا وهو فقيه، وكثير يوجد منهم فقيه غير قارئ.
وقيل: إن الذي كان يحفظ منهم جميع القرآن سبعة وهم: أبو بكر، وعثمان،
وعلي، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، بخلاف أهل وقتنا، فإنهم يتعلمون القرآن، ثم الفقه.
وأما الأسباب الثلاثة، وهي: النسب، والسن، والهجرة، فاختلف أصحابنا في ترتيب المذهب فيها:
فذكر الشيخ أبو إسحاق في "المهذب"، وابن الصباغ، والمحاملي فيها قولين:
أحدهما وهو قوله القديم: (أن النسب مقدم، ثم الهجرة بعده، ثم السن).
قال الشيخ أبو إسحاق: وهو الأصح، ووجهه: ما روي، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الأئمة من قريش»، ولم يفرق بين الإمامة العظمى والصغرى.
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قدموا قريشًا، ولا تقدموها».
ولأنه قدم الهجرة على السن في حديث أبي مسعود، والنسب مقدم على الهجرة.
والثاني وهو قوله الجديد: أن السن مقدم، ثم النسب، ثم الهجرة؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للرجلين: "وليؤمكما أكبركما».
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي، وليؤذن لك أحدكم، وليؤمكم أكبركم»، ولم يفرق بين أن يكون الأكبر أشرف من الأصغر، أو الأصغر أشرف؛ ولأن الأكبر أخشع في الصلاة، فكان أولى.
وذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق"، وصاحب "الفروع": أن النسب والسن مقدمان على الهجرة، بلا خلاف على المذهب.
وفي النسب والسن قولان:
قال الشيخ أبو حامد: وأما تقديم الهجرة على السن فلم يرد به الهجرة وحدها، وإنما أراد من له هجرة ونسب؛ لأن أكثر المهاجرين كانوا من قريش.
إذا ثبت هذا: فالنسب المراد هاهنا أن من كان من بني هاشم، وبني المطلب،
فيقدم على غيره من قريش، ثم يقدم قريش على غيرهم، ويحتمل أن يقدم العرب على العجم.
وأما السن: فإن الرجل إذا نشأ في الإسلام، وشاخ فيه قدم على من أبلى عمره في الشرك، ثم أسلم، وكذلك يقدم من تقدم إسلامه على من تأخر إسلامه.
وأما الهجرة: فإن من هاجر يقدم على من لم يهاجر، ومن تقدمت هجرته قدم على من تأخرت هجرته، وكذلك أولاد المهاجرين، يقدمون على أولاد من لم يهاجر، وكذلك في تقدم الهجرة بالآباء أيضًا، وسواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده، وأما قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا هجرة بعد الفتح»، فأراد أن الهجرة لا تجب على أهل مكة بعد الفتح.
فإن استويا في جميع الأسباب، فلا نص للشافعي فيه.
قال أصحابنا: فيقدم أورعهم وأزكاهم.
وقال بعض المتقدمين: يقدم أحسنهم.
فمن أصحابنا من قال: أراد أحسنهم وجهًا؛ لأن ذلك فضيلة كالنسب.
ومنهم من قال: بل أراد أحسنهم ذكرًا بين الناس.
قال ابن الصباغ: وهذا حسن.

.[فرع: تقديم صاحب البيت في الإمامة]

إذا حضر جماعة في دار رجل، وحضرتهم الصلاة، وصاحب البين يحسن من القرآن ما يجزئ في الصلاة، فصاحب البيت أحق بالإمامة ممن حضر معه، وإن كانوا أفقه منه وأقرأ، إلا أن يكون الحاضر سلطانًا فهو أحق؛ لما روى أبو مسعود البدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يؤم الرجل في بيته، ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته في بيته إلى بإذنه».
ولأن لصاحب البيت ولاية خاصة على الدار، لا يشاركه فيها غيره.
واختلف في التكرمة: فقال قوم: هي المائدة.
وقال آخرون: هي البساط والفراش، ولم يذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق" غير هذا.
فإن حضر المستأجر ومالك الدار في الدار المستأجرة، فالمستأجر أحق بالتقدم من مالكها؛ لأنه أحق بمنافعها.
وإن حضر العبد وغيره في دار، جعلها السيد لسكنى العبد، فالعبد أحق؛ لأنه أحق بمنافعها.
وعلى قياس هذا: إذا استعار من رجل دارًا، فحضر المستعير وغيره، فالمستعير أولى.
وإن حضر العبد وسيده في الدار التي جعلها لسكناه، فالسيد أحق؛ لأنه هو المالك لرقبة الدار.
وعلى قياس هذا: إذا حضر المعير والمستعير في الدار المعارة، فالمعير أولى؛ لأنه هو المالك لرقبة الدار، ويملك الرجوع في المنفعة.
وحكى في "الإبانة" [ق \ 80] أن القفال كان يقول هكذا في الابتداء، ثم رجع عنه، وقال: بل المستعير أولى بخلاف العبد؛ لأن المستعير سكن لنفسه، والعبد سكن لسيده.

.[فرع: الإمام الراتب]

وإن حضر إمام المسجد الراتب مع غيره من الرعية، فإمام المسجد أحق بالتقديم، وإن كان هناك من هو أفقه منه وأقرأ؛ لما روي: أن ابن عمر قدم مولى له كان إمامًا في مسجد، وقال: أنت أحق بالإمامة في مسجدك.
وإن أذن رب الدار، أو إمام السجد لمن حضر معه أن يتقدم، فله أن يتقدم.
وقال بعض الناس: لا يجوز.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخبر: "إلا بإذنه".
فإن حضر الإمام الأعظم مع رب الدار، أو مع إمام المسجد فالإمام الأعظم أولى؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولا في سلطانه "؛ ولأنه راع وهم رعيته، فكان تقديم الراعي أولى.
وإن قدم الإمام الأعظم رجلًا، كان أحق من غيره.
وإن دخل الإمام الأعظم بلدًا، وله فيه خليفة، كان أولى بالتقدم فيه من خليفته؛ لأن ولايته أعم.
قال الشافعي: فإن اجتمع مقيمون ومسافرون، وفيهم وال، كان تقديم الوالي أولى، سواء كان من المسافرين أو من المقيمين، وإن لم يكن فيهم وال، فالمقيم أولى بالتقديم؛ لأنه صلاته أكمل، فإن تقدم مسافر وصلى بهم جاز. وهل يكره؟ فيه قولان.

.[فرع: إمامة العبد]

ولا تكره إمامة العبد للأحرار.
وقال أبو مجلز وأبو حنيفة: (تكره).
وقال مالك: (لا يؤم في جمعة، ولا عيد).
وقال الأوزاعي: (لا يؤم الناس، ويؤم أهله).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسمعوا وأطيعوا، ولو أمر عليكم عبد أجدع، ما أقام فيكم الصلاة».
وروي: أنه كان لعائشة غلام لم يعتق، يكنى أبا عمرو، وكان يؤمها، ويؤم محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير.
إذا ثبت هذا: فالحر أولى بالإمامة؛ لأنه موضع كمال، والحر أكمل.

.[فرع: إمامة المجهول]

ويكره أن يؤم من لا يعرف أبوه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وأصحابه.
وقال الثوري، وأحمد، وإسحاق: (لا يكره)، وروي عن مالك في ذلك رواية أخرى.
وقالت عائشة: (ما عليه من وزر أبويه شيء).
دليلنا: ما روي: (أن رجلًا كان يؤم الناس بالعقيق لا يعرف أبوه، فنهاه عمر بن عبد العزيز)؛ ولأنه موضع كمال، وهذا ليس في موضع الكمال.

.[فرع: إمامة الأعمى]

تجوز إمامة الأعمى بالبصير والأعمى؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استخلف ابن أم مكتوم في بعض غزواته على المدينة، وكان يصلي به».
وهل هو أولى أم البصير؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها وهو المنصوص للشافعي: (أنهما سواء؛ لأن الأعمى لا يرى ما يشغله، والبصير يتوقى الأنجاس فاستويا).
والثاني وهو قول الشيخ أبي إسحاق: أن البصير أولى؛ لأنه يتوقى الأنجاس التي تفسد الصلاة، وأما نظره إلى ما يشغل: فلا يفسد الصلاة.
والثالث وهو قول أبي إسحاق المروزي: أن الأعمى أولى؛ لأنه لا ينظر إلى ما يلهيه، فيتوفر على الخشوع.
قال ابن الصباغ: وهذان الوجهان يخالفان نص الشافعي، وما قاله أحدهما يعارضه ما قال الآخر فسقطا، واستوى البصير والأعمى. وبالله التوفيق.

.[باب موقف الإمام والمأموم]

إذا صلى رجلان جماعة، قام المأموم عن يمين الإمام، وبه قال الفقهاء كافة، وحكي عن ابن المسيب: أنه قال: لا يقوم عن يساره.
وقال النخعي: يقوم وراءه، فإن جاء آخر وقف معه، وإن لم يجئ آخر، وركع الإمام فإنه يتقدم إلى يمين الإمام.
دليلنا: ما روي «عن ابن عباس: أنه قال: (بتُّ عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الليل، فتوضأ، وصلى، فقمت، فتوضأت كما توضأ، وقمت عن يساره، فأخذني بيدي)، وروي (برأسي، وحولني عن يمينه)، وروي: (فأدارني من ورائه)».
قال أصحابنا: وفي هذا الخبر أربع عشرة فائدة:
إحداهن: أن المأموم الواحد ينبغي له أن يكون على يمين الإمام.
الثانية: أنه إذا خالف، ووقف على يساره صحت صلاته.
الثالثة: أنه لا يلزمه سجود السهو.
الرابعة: أنه إذا وقف عن يساره ينبغي له أن يتحول إلى يمينه.
الخامسة: أنه إذا لم يتحول حوله الإمام.
السادسة: أنه يحوله بيمينه دون يساره.
السابعة: أن يديره من خلفه.
الثامنة: أن صلاة النفل يحرم فيها الكلام؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكلمه.
التاسعة: أن النفل يجوز فعله جماعة.
العاشرة: أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، مثل ما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الإحدى عشرة: أن المشي القليل لا يبطل الصلاة، مثل مشي ابن عباس.
الاثنتا عشرة: أن الصبي له موقف في الصف كالبالغ؛ لأن ابن عباس كان صبيًّا.
الثالثة عشرة: أن المأموم يدور هو، ولا يدور الإمام.
الرابعة عشرة: أن المرور بين يدي المصلي مكروه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أداره من خلفه، ولم يدره بين يديه.
فإن جاء مأموم آخر، أحرم عن يسار الإمام، فإن كان قدام الإمام واسعًا ووراءهما ضيقًا، تقدم الإمام، وإن كان وراءهما واسعًا، تأخر المأمومان، سواء كان قدام الإمام واسعًا أو ضيقًا؛ لما روى جابر، قال: «صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقمت عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فقام عن يساره، فدفعنا جميعًا، حتى أقامنا من خلفه».
ولأنهما تابعان للإمام، فكانا أولى بالتأخير، بدليل: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أدار ابن عباس، ولم يدر هو).
فإن جاء المأموم الثاني، وهما جالسان في التشهد، ووقف عن يسار الإمام،
وكبر، وجلس، ولا يتأخرا جالسين؛ لأن ذلك مشقة، فإذا قاموا تأخرا، وإن سلم الإمام قام المأموم، وأتم صلاته.
وإن حضر رجلان مع الإمام، فالسنة أن يقفا خلف الإمام، وروي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عمر.
وقال ابن مسعود: (إذا كان مع الإمام اثنان، قام أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وإن كانوا ثلاثة قاموا من خلفه).
وروي عنه: «أنه صلى بعلقمة والأسود، فجعل أحدهم عن يمينه، والآخر عن شماله، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».
دليلنا: ما ذكرناه من حديث جابر، وروى سمرة بن جندب، قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كنا ثلاثة أن يتقدمنا أحدنا».
وإن حضر رجل وصبي، وقفا من خلف الإمام؛ لما روي «عن أنس: أنه قال: صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا ويتيم لنا، وأم سليم خلفنا».
وإن حضر مع الرجل والصبي امرأة وقفت خلفهما؛ لحديث أنس.
وإن حضر مع الإمام امرأة، لا رجل معها، وقفت خلف الإمام.
وإن حضر معه رجل وامرأة وقف الرجل عن يمين الإمام، والمرأة خلف الرجل؛ لحديث أنس.
وإن حضر مع الإمام خنثى وقف وراءه؛ لجواز أن يكون امرأة، ولا يقف عن يمينه لتجويز كونه رجلًا؛ لأن مخالفة المرأة الموقف أشد من مخالفة الرجل.
وإن كان مع الإمام رجل أو صبي وخنثى فإن الرجل أو الصبي يقف عن يمين الإمام، والخنثى وراءه.
وإن كان معه خنثى وامرأة وقف الخنثى خلف الإمام، والمرأة خلف الخنثى.
وإن حضر رجال وصبيان تقدم الرجال في الصف الأول، ثم الصبيان بعدهم في صف آخر.
ومن أصحابنا من قال: يقف بين كل رجلين صبي؛ ليتعلموا منهم أفعال الصلاة، وهذا ليس بصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى».
وروي عن أنس: أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب أن يليه المهاجرون والأنصار؛ ليحفظوا عنه». وأما التعلم: فيمكنهم، وإن كانوا خلفهم.

.[فرع: كراهة ارتفاع موضع الإمام]

ويكره أن يكون موضع الإمام أعلى من موضع المأموم.
قال الشيخ أبو حامد: وإنما يكره إذا كانت ربوة كثيرة العلو، فأما إذا كنت دكة، أو ربوة قليلة العلو لم يكره.
والدليل على الكراهة: ما روي: أن حذيفة صلى على مكان، والناس أسفل منه، فجذبه سلمان، وقال: أما علمت أن أصحابك -يعني: الصحابة- يكرهون ذلك، فقال: بلى، قد ذكرت حين جذبتني.
وإن أراد الإمام أن يعلم المأمومين أفعال الصلاة وترتيبها لم يكره ذلك.
وقال أبو حنيفة ومالك: يكره بكل حال.
وقال الأوزاعي: إن كان موضع الإمام أعلى من موضع المأمومين، بطلت صلاتهم.
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى على المنبر، فركع، ورفع، ثم رجع القهقرى، فسجد، ورفع، فلما فرغ قال: إنما صنعت هكذا لتأتموا بي».